Kamal Ghazi's profile

هل سينهار الاتحاد الأوروبي؟ (2015)

يواجه واحد من أربعة مواطنين خطر الفقر ضمن حدود الاتحاد الأوروبي، ما يعني 120 مليون مواطن يعيشون دون الحد الأدنى. وتعتزم الدول الأعضاء مع البنك المركزي الأوروبي، تقليل العدد بعشرين مليون بحلول العام 2020. يعول المركزي الأوروبي على سياسة التيسير الكمي Monetary-Loosening Policy  التحفيزية، التي أقرها في بداية العام الحالي، وطبع بموجبها نقودا لشراء سندات سيادية بستين مليار يورو شهريا، وتم العمل بها منذ مارس الماضي.
وفي التصدي للمخاطر المالية التي تواجه حرية التداول النقدي في بلدان الاتحاد الأوروبي، أصدر ماريو دراغي رئيس البنك المركزي قراره بتمديد فترة برنامج التيسير الكمي من سبتمبر 2016 إلى مارس 2017، ليتمم سنتين من العمل به حتى تاريخه. صحيح أن أيرلنداقد لفتت الأنظار إليها بعد خمس سنوات من التقشف، بتحقيق أسرع نمو اقتصادي للعام الثاني على التوالي، بنسبة 7 بالمئة، ولكن يظهر تقييم السياسة ككل أن نمو الناتج المحلي الإجمالي (دون أرباح الشركات متعددة الجنسيات) للدول العشر الأفقر في الاتحاد الأوروبي، جاء طفيفا ما عدا حالتين أو ثلاث.
كان البنك المركزي الأوروبي قد خفض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها قبل أكثر من عام. وتتمسك البنوك الرئيسية بوجهة النظر القائلة بأن “الدولار سيرتفع صوب التعادل مع العملة الموحدة مع بدء مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة”، في الوقت الذي تقدم فيه البنوك المركزية الأخرى على عكس ذلك.
صرح يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني السابق، أثناء لقائه سلافوي جيجك وجوليان أسانج في قاعة الاحتفالات الملكية بلندن، منتصف نوفمبر الماضي، بأن السياسة النقدية للبنك المركزي “إنما صممت من أجل هدم أي إصلاح اقتصادي.” كان فاروفاكيس يتمسك بنظام “كوبونات الطعام Food Stamps”، التي تتيح لمن هم دون الحد الأدنى الحصول على الطعام، ولو ليوم واحد على الأقل. هذه السياسة يتجاهلها البنك المركزي الأوروبي، على الرغم من العمل بها في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تتراوح نسبة المواطنين الأمريكيين تحت الحد الأدنى للفقر بين 10 و14 بالمئة، ولولا “سياسة الكوبونات” لقفزت النسبة نحو 26 بالمئة.
جدير بالاعتبار أن مشكلة الفقر من وجهة نظر البنك المركزي الأوروبي ليست قضية إنسانية بالمعنى اليساري للكلمة. فإن فاروفاكيس حينما ينتقد تخلف الاتحاد الأوروبي عن دعم من هم دون الحد الأدنى من الفقر، يتحدث بصفته الماركسي اليساري. بيد أنه من الصعب القول بأن دراغي لديه ميوله اليسارية، وهو ينظر لمشكلة الفقر باعتبارها عقبة اقتصادية ذات طابع مؤسسي. في رأس دراغي، مسألة فقر الأفراد ناتج عرضي لفقر المؤسسات، وإنعاش (المؤسسات) يعود بتحسين حياة الأفراد.
اليونان خارج التوقعات
تعهد فاروفاكيس بترك منصبه، إذا رفض اليونانيون شروط التقشف الجديدة المطروحة من الدائنين. وعندما جاء التصويت بالرفض، قام بتقديم استقالته. وبعد ذلك نشر مقالا في الجارديان وصف نفسه “بالماركسي الانتقائي”. ما لم يكن متوقعا، رغم عدم تخليه عن ميوله اليسارية أو أفكاره الماركسية، فتجاه المنظومة الرأسمالية، دعى اليساريين إلى التأني في تقييم الوضع الرأسمالي الراهن. فالتطلعات للسيطرة على مسار الاقتصاد في الوقت الحالي، تنذر ببسط الطرقات أمام الأنظمة المتطرفة.
كانت اليونان من الدول التي تأثرت بالأزمة المالية عام 2008، وتجلى تدهور الناتج المحلي الإجمالي حتى العام 2010 بواقع 20 بالمئة، وأدى إلى إعاقة الحكومة على الوفاء بالقروض المستحقة عليها. كان لا مندوحة عن طرح قضية إنقاذ اليونان في الاتحاد الأوروبي، في العام 2010. وفي غضون بضعة أعوام، أصبح هاجس إفلاس اليونان أو خروجها من الاتحاد الأوروبي كابوسا لدى دول الاتحاد الأوروبي، ويعكس قلقا شديدا لدى بقية الدول.
حسب مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) لعام 2014، وصل الدين العام في اليونان إلى 177 بالمئة (317 مليار يورو/351.7 مليار دولار). وهو مستوى اعتبر صندوق النقد الدولي أنه يصعب سداده. واتجهت اليونان في الأسابيع الماضية نحو الإقبال على عقد صفقات خارج دول الاتحاد الأوروبي، مع روسيا ثم مصر. ولكن من الصعب أن نسلم بقدرة الاقتصاد الروسي أو نظيره المصري على تقديم مساعدات جادة للحكومة اليونانية. اللهم إلا نوع من “البروباجندا”، قد يلجأ لها حزب سيريزا في الدعاية السياسية لا أكثر.
إن وقف اليونان لتعاملاتها باليورو كما ينذر بإفلاس جميع الشركات المدينة، ويهدد بهبوط عملتها المحلية “الدراخما” حال إعادة العمل بها. وبالإضافة إلى المضاعفة من حجم التضخم، ستجد حكومة تسيبراس نفسها مجبرة على تحصيص واردات الأغذية والنفط. وبالتبعية ستعاني إيطاليا، إسبانيا والبرتغال من ارتفاع تكاليف الاقتراض. وهذا يحسم أمر انخفاض القيمة المتتابع لليورو.
عند هذا الحد يتوقف أمل الولايات المتحدة وبقية الدول على بقاء الدولار محتفظا بقوته، مع ذلك يبدو القادم غير قابل للتوقع. من الممكن أن يتم إلغاء استراتيجيات، أو انهيار أنظمة، كل شيء محتمل وسط التحولات السياسية، الديموغرافية والاقتصادية، والجغرافية المتعلقة بتغير المناخ، لا تنذر بتغيرات على مستويات حدية، ولكن تأثيرها متداخل، وكل ما يعيش فوق الأرض جزء من هذه العملية.
هل سينهار الاتحاد الأوروبي؟ (2015)
Published:

هل سينهار الاتحاد الأوروبي؟ (2015)

Published: